حين تعزف الروح من الداخل
في زوايا الحياة التي لا تُرى، حيث لا تُقاس المشاعر بالكلمات، وُلد محمود اليازجي وفي قلبه لحن لا يشبه أي لحن. لم يكن صوته عاليًا، ولم تكن كلماته كثيرة، لكن حين تلمس أصابعه مفاتيح البيانو، يصمت العالم ليستمع لما تقوله نوتاته.
محمود شاب من أصحاب التوحّد، يرى العالم بطريقته، ويفهمه بإحساسٍ شفاف يصعب وصفه. نشأ في بيئة احتضنت اختلافه، لكنه كان بحاجة لمساحة يرى فيها نفسه لا كحالة، بل كموهبة. ومع البيانو، وجد تلك المساحة، وجد الحرية.
لم يتعلّم الموسيقى بالطريقة التقليدية، بل كان يحفظ الأصوات بالأذن، ويعيد إنتاجها بدقة مدهشة. كلما جلس أمام البيانو، كانت أصابعه تنقل مشاعر لا يستطيع التعبير عنها بالكلام. وكان كل عزف له رسالة حب وسلام، تفوق ما قد يكتبه أي شاعر.
حين انضم محمود إلى منصة "رواد الهمم"، لم يكن الهدف مجرد عرض موهبته، بل إيجاد مكان يُنصت له كما يستحق. عبر المنصة، بدأ يشارك مقاطع من عزفه، ويُقدّم حفلات رقمية صغيرة، تفاعل معها جمهور واسع من أنحاء مختلفة. لم يكن التفاعل شفقة، بل إعجابًا واحترامًا لفن نقي، ينبع من قلب صادق.
اليوم، لا يُعرّف محمود نفسه بالتوحّد، بل بالقدرة على لمس القلوب من خلال الموسيقى. و"رواد الهمم" لم تكن منصة له فقط، بل كانت المساحة التي وقف فيها أخيرًا، ليقول: أنا هنا… وأعزف.